تحديات سوريا بعد الأسد- هوية القيادة، قوى إقليمية، واحتلال إسرائيلي.

بعد مرور أسبوع كامل على زوال حكم الأسد وانهياره، وما صاحبه من احتفالات وقصص مؤثرة تعكس معاناة جموع السوريين من تهجير قسري ونزوح مرير، أو من أهوال السجون وألوان التعذيب التي تقشعر لها الأبدان، إلا أن هذه الأفراح، على الرغم من أهميتها، لن تكون كافية لتحقيق التغيير المنشود في هذا البلد العربي العريق، ولن تقدم حلولًا فورية للمصاعب الجمة التي يئن تحت وطأتها، كما أنها لن تزيل العقبات الجسيمة التي تتطلب مواجهتها والتغلب عليها دون تأخير.
هوية وسمات قادة النظام الجديد
إن النظرة السائدة في الغرب، وكذلك في المحيط العربي، تجاه القيادات الجديدة في سوريا يشوبها الحذر وعدم الارتياح، وذلك بالنظر إلى خلفياتهم الفكرية والأيديولوجية المتباينة، والسمات التي تنبئ بإمكانية استنساخ بعض نماذج الإسلام السياسي السائدة في المنطقة، سواء من خلال ارتباطهم بتنظيم القاعدة، أو هيئة تحرير الشام، أو غيرها من الفصائل التي لا تخفى على أحد، مما يضعهم في خانات مسبقة التجهيز، كالارهاب والتطرف والتشدد، أو أسلمة الدولة والمجتمع، أو قمع الحريات الدينية وغيرها.
ويملك الغرب وغيرهم من خصوم الأمة الإسلامية ترسانة ضخمة من الحملات الدعائية المؤثرة، والصور النمطية الجاهزة التي تستخدم لتشويه الصورة وتزييف الحقائق من خلال التركيز على عناصر الهوية والسمات الظاهرية.
القوى الإقليمية المتضررة
ثمة قوى إقليمية ودول متضررة من سقوط نظام الأسد، وهي قوى ذات نفوذ وقدرات هائلة تمكنها من التأثير سلبًا على مجريات الأمور في المرحلة القادمة، ولديها دوافعها ومبرراتها الخاصة، مما يستلزم وضع خطط استراتيجية للتعامل مع هذا التحدي، ويتوجب على سوريا الجديدة عزل جميع مصادر التشويش من خلال إقامة علاقات متوازنة ومستقرة مع هذه القوى، بدلًا من الدخول في صراعات معها، أو تركها تتصرف وفقًا لمصالحها.
تبدل الإدارات الأميركية
تمر الولايات المتحدة بمرحلة انتقالية حرجة بين إدارة بايدن وإدارة ترامب، والأخير يفتقر إلى الوضوح في الرؤى والسياسات، ومن المرجح أن يتبنى مواقف معارضة للقيادة السورية الجديدة، على عكس إدارة بايدن المنتهية ولايتها، والتي قد لا تولي اهتمامًا كبيرًا لما سيحدث في سوريا بعد رحيلها.
جمع الفصائل المسلحة
قد تبدو عملية توحيد الفصائل المسلحة أمرًا يسيرًا في الظروف الراهنة، لكنها ستزداد تعقيدًا مع مرور الوقت ومع بدء مرحلة التمكين والسيطرة على مفاصل الدولة ومواردها وجغرافيتها، ويقتضي المنطق السليم دمج جميع الفصائل تحت مظلة جيش وطني موحد يضم جميع الأطياف، ويمنع أي احتكاكات أو صراعات داخلية، خصوصًا بعد اتضاح مواقف القوى المحيطة بسوريا، وطبيعة العلاقات التي ستقيمها مع الدولة السورية الجديدة.
الاحتياجات المادية الهائلة
لا أزعم امتلاك المعرفة المطلقة، لكني أتوقع أن النظام البائد لم يترك في خزائن سوريا شيئًا ذا قيمة، بل ربما أغرقها في الديون المتراكمة، مما سيجعل مهمة الإدارة الجديدة صعبة للغاية، وستزداد الحاجة إلى المساعدات الخارجية سواء على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولا شك أن هذه المساعدات لن تكون مجانية، بل ستأتي مصحوبة بشروط وأثمان.
العدالة الانتقالية
يشكل ملف العدالة الانتقالية معضلة حقيقية، بالنظر إلى حجم المظالم التي ارتكبت، وعدد المطالبين بالتعويض، والرغبة الجامحة في الانتقام لدى البعض، ويتطلب التعامل مع هذا الملف حساسية مفرطة وشفافية عالية وحزم لا يلين، وعدم ترك الضحايا دون خارطة طريق واضحة تمكنهم من استعادة حقوقهم المسلوبة، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.
الاحتلال الإسرائيلي
من المرجح أن يكون الاحتلال الإسرائيلي التحدي الأكبر والعقبة الأصعب أمام سوريا الجديدة، وقد تجلى ذلك منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد، حيث لن يهدأ بال إسرائيل إلا بتدمير القدرات السورية، وإضعاف قوتها، وشل قدرتها على التفكير في مواجهتها أو الاشتباك معها، ليس فقط من أجل استعادة الحقوق السورية المغتصبة كجبل الشيخ والجولان والمنطقة العازلة، والتصدي للغارات المتكررة، بل أيضًا من أجل دعم القضية الفلسطينية في غزة والقدس، التي تتطلع إلى موقف سوري قوي ومساند، كما يتوق المواطن السوري إلى الشعور بالأمن والحماية من العدوان الإسرائيلي، ولن يرضى بتكرار الوعود الزائفة حول حق الرد في الزمان والمكان المناسبين.
ومما لا شك فيه أن القيادة السورية الجديدة وحلفائها يدركون حجم هذه التحديات، لكنهم بحاجة إلى إشراك جميع السوريين في صياغة الخطط اللازمة لمواجهتها، لأن تجارب الشعوب تؤكد أن طريق النجاح يتطلب توحيد الصفوف، والتطلع إلى المستقبل، والاستفادة من دروس الماضي، بدلًا من التحسر على ما فات.